عادت الطاقة النووية لتكون محوراً أساسياً في النقاشات الاستراتيجية بين إندونيسيا وروسيا. فقد شهد منتدى الأعمال الروسي-الإندونيسي الذي عقد في جاكرتا بتاريخ 14 أبريل عرضاً مهماً لرؤية مستقبل الطاقة في إندونيسيا، قدمها رئيس مركز أبحاث تكنولوجيا المفاعلات النووية التابع للوكالة الوطنية للبحوث والابتكار (BRIN)، طوفان ستياديبورا.
أشار طوفان إلى أن الرئيس برابوو سوبيانتو قد حدد هدفاً طموحاً للنمو الاقتصادي بنسبة 8٪، وهو ما يتطلب توفّر طاقة هائلة ومستقرة. لكنه أكد في الوقت ذاته على أهمية الالتزام بتقليل انبعاثات الكربون، ما يتطلب البحث عن مصادر طاقة نظيفة وفعالة.
وخلال عرضه، أوضح طوفان أن هناك أكثر من 400 محطة للطاقة النووية تعمل حالياً حول العالم، في حين يتم بناء 61 محطة جديدة. ويُظهر هذا الاتجاه العالمي التوجه المتزايد نحو الطاقة النووية كجزء من التحول إلى الطاقة النظيفة.
وأشار إلى أن دولاً نامية مثل تركيا ومصر وبنغلاديش بدأت فعلاً في استخدام تكنولوجيا المفاعلات النووية الروسية لدعم نموها الاقتصادي، معتبراً أن إندونيسيا يمكنها الاستفادة من هذا النموذج الناجح.
وأوضح أن إندونيسيا تخطط لدخول عصر الطاقة النووية قريباً، إذ تم تحديد هدف في الخطة متوسطة الأجل (2030–2034) يتمثل في تشغيل أول محطة نووية بقدرة 500 ميغاواط. ورغم أن هذه القدرة لا تزال صغيرة، فإن طوفان يراها خطوة أولى مهمة نحو تحقيق استقلال الطاقة.
وأضاف أن الطبيعة الجغرافية لإندونيسيا، المكوّنة من آلاف الجزر، تشكل تحدياً وفرصة في آنٍ واحد. وأكد أن تكنولوجيا المفاعلات الصغيرة المعيارية (Small Modular Reactors) يمكن أن تكون الحل المثالي، نظراً لقدرتها على التكيف مع المناطق المعزولة وسهولة نقلها وتركيبها.
واقترح أيضاً استخدام المفاعلات النووية العائمة، والتي بدأت روسيا في تنفيذها في مناطقها النائية. وقال إن هذا النوع من المحطات يمكن أن يُرسل إلى الجزر الصغيرة التي تفتقر إلى الكهرباء، مما يوفر حلاً عملياً يناسب ظروف إندونيسيا.
وأشار طوفان إلى أن التكنولوجيا النووية لا توفر فقط مرونة وكفاءة، بل تتميز أيضاً بالاستقرار مقارنة بمصادر الطاقة الأخرى، ولا تتأثر كثيراً بتقلبات أسعار الوقود، ما يعزز من أمن الطاقة للقطاعات الصناعية الحيوية.
ويرى أن التعاون مع روسيا في هذا المجال يعد خطوة استراتيجية، نظراً لما تملكه من خبرة طويلة في بناء وتشغيل المحطات النووية، سواء داخل البلاد أو خارجها، بالإضافة إلى استعدادها لنقل التكنولوجيا إلى دول أخرى، بما فيها دول جنوب شرق آسيا.
وأضاف أن الحكومة الإندونيسية بدأت فعلاً في فتح قنوات الحوار مع الجانب الروسي، لبحث مواقع البناء المناسبة، وتطوير الكفاءات البشرية، وتقييم الجوانب التنظيمية والأمنية لاستخدام الطاقة النووية.
رغم ذلك، اعترف طوفان بوجود تحديات كبيرة أمام تنفيذ المشروع النووي، أبرزها تقبل الرأي العام، وجاهزية البنية التحتية، وضرورة وجود سياسات واضحة طويلة الأمد. لذا، فإن التوعية المجتمعية والشفافية في مراحل التنفيذ ستكون حاسمة لنجاح المشروع.
وأكد طوفان أن إندونيسيا لا يمكنها أن تتأخر في عملية التحول إلى الطاقة النظيفة. وقال: "إذا أردنا تحقيق نمو مستدام مع الحفاظ على البيئة، فعلينا أن ندرس جميع الخيارات، بما في ذلك الطاقة النووية."
لم تقتصر النقاشات في المنتدى على ملف الطاقة فقط، بل تناولت أيضاً فرص التعاون في مجالات الدفاع والتكنولوجيا والزراعة. إلا أن ملف الطاقة حظي باهتمام خاص، نظراً لأهميته في دفع عجلة التنمية في مختلف القطاعات.
وقد رحب عدد من رجال الأعمال الإندونيسيين بالطرح الخاص بتطوير الطاقة النووية، معتبرين أن وجود رؤية واضحة ودعم دولي يمكن أن يجعل إندونيسيا لاعباً بارزاً في مستقبل الطاقة في منطقة آسيا والمحيط الهادئ.
في ظل التحول العالمي نحو الطاقة الخضراء، تجد إندونيسيا نفسها في مفترق طرق. والاستثمار في التكنولوجيا النووية قد يكون نقطة التحول في رسم مستقبل آمن ومستدام للطاقة.
كما أظهر المنتدى كيف يمكن للدبلوماسية الاقتصادية أن تسهم في بناء مستقبل مشترك للطاقة، يتجاوز حدود التبادل التجاري إلى تبادل الرؤى والخبرات التقنية.
مع خطة تشغيل أول محطة نووية خلال العقد المقبل، لا بد من ضمان الدعم السياسي والمجتمعي والتقني للمشروع النووي، لضمان تحقيق الأهداف المرجوة.
وإذا ما تم تنفيذ هذه الخطة بشكل جدي، فإن الطاقة النووية قد تصبح أحد أعمدة النمو الاقتصادي المرتفع والمستدام في إندونيسيا، بما يحقق التوازن المنشود بين التنمية وحماية البيئة.
الإبتساماتإخفاء